الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: معالم القربة في طلب الحسبة
.الْبَابُ الثَّالِثُ وَالْأَرْبَعُونَ فِي الْحِسْبَةِ عَلَى السّدّارِينَ: وَصَعُبَ عَلَى الدَّوَابِّ فَلْيَجْعَلْ فِي كُلِّ إرْدَبٍّ رُبْعَ وَيْبَةِ تُرْمُسٍ لَيْلًا مَا يَرْجِعُ يُزِيلُ الْوَسَخَ مِنْ يَدِ مَنْ يَغْسِلُ بِهِ وَمَتَى كَثُرَ فِيهِ دِقَاقُ التُّرْمُسِ مَنَعَ إزَالَةَ الْوَسَخِ، وَصَارَ فِي يَدِ الَّذِي يَغْسِلُ بِهِ مِثْلَ الْعَجِينِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَخْلِطُ فِيهِ سُوسَ حَطَبِ الطَّلْحِ وَشَيْئًا يُقَالُ لَهُ عِنْدَهُمْ الصُّوفَةُ وَهُوَ حَطَبُ الْأَوْرَاقِ، فَيَعْتَبِرُ عَلَيْهِمْ ذَلِكَ وَيَعْتَبِرُ عَلَيْهِمْ دِقَاقَ التُّرْمُسِ، فَإِنَّ فِيهِمْ مَنْ يَغُشُّهُ بِدَقِيقِ الْفُولِ الْمُسَوَّسِ، وَهَذَا غِشٌّ، وَيَعْتَبِرُ عَلَيْهِمْ مَوَازِينَهُمْ وَأَكْيَالَهُمْ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. .الْبَابُ الرَّابِعُ وَالْأَرْبَعُونَ فِي الْحِسْبَةِ عَلَى الْفَصَّادِينَ وَالْحَجَّامِينَ: وَأَلَّا يَفْصِدَ إلَّا فِي مَكَان فَضَاءٍ، وَأَنْ تَكُونَ آلَتُهُ مَاضِيَةً، وَلَا يَفْصِدَ وَهُوَ مُنْزَعِجُ الْجِنَانِ، وَيَنْبَغِي لِلْمُحْتَسِبِ أَنْ يَأْخُذَ عَلَيْهِمْ الْعَهْدَ وَالْمِيثَاقَ أَنَّ فِي عَشَرَةِ أَمْزِجَةٍ لَا يَحْدُثُ فِيهَا الْفَصْدُ إلَّا بَعْدَ مُشَاوَرَةِ الْأَطِبَّاءِ وَهِيَ فِي السِّنِّ الْقَاصِرِ عَنْ الرَّابِعَ عَشَرَ وَفِي سِنِّ الشَّيْخُوخَةِ وَفِي الْأَبْدَانِ الشَّدِيدَةِ الْقَضَافَةِ، وَفِي الْأَبْدَانِ الشَّدِيدَةِ الْيُبْسِ، وَفِي الْأَبْدَانِ الْمُتَخَلْخِلَةِ، وَفِي الْأَبْدَانِ الْبِيضِ الرَّهِلَةِ، وَفِي الْأَبْدَانِ الصُّفْرِ الْعَدِيمَةِ الدَّمِ، وَفِي الْأَبْدَانِ الَّتِي طَالَتْ بِهَا الْأَمْرَاضُ، وَفِي الْأَمْزِجَةِ الشَّدِيدَةِ الْبَرْدِ وَعِنْدَ الْوَجَعِ الشَّدِيدِ فَهَذِهِ الْأَحْوَالُ الَّتِي يَجِبُ أَنْ تَكْشِفَ عَنْ الْفَاصِدِ فِي وُجُودِهَا. وَقَدْ نَهَتْ الْأَطِبَّاءُ عَنْ الْفَصْدِ فِي خَمْسَةِ أَحْوَالٍ أَيْضًا، وَلَكِنْ مَضَرَّتُهَا دُونَ مَضَرَّةِ الْعَشَرَةِ الْأُولَى الْمُقَدَّمِ ذِكْرُهَا، فَالْحَالَةُ الْأُولَى الْفَصْدُ عَقِبَ الْجِمَاعِ، وَبَعْدَ الِاسْتِحْمَامِ الْمُخَلَّدِ وَفِي حَالِ الِامْتِلَاءِ مِنْ الطَّعَامِ، وَفِي حَالِ امْتِلَاءِ الْمَعِدَةِ وَالْمِعَاءِ مِنْ الثِّقَلِ وَفِي حَالِ شِدَّةِ الْبَرْدِ وَالْحَرِّ فَهَذِهِ أَحْوَالٌ يُتَوَقَّى الْفَصْدُ فِيهَا أَيْضًا. وَاعْلَمْ أَنَّ الْفَصْدَ لَهُ وَقْتَانِ وَقْتُ اخْتِيَارٍ وَوَقْتُ اضْطِرَارٍ فَأَمَّا وَقْتُ الِاخْتِيَارِ فَهُوَ ضَحْوَةُ النَّهَارِ بَعْدَ تَمَامِ الْهَضْمِ وَالنَّفْضِ، وَأَمَّا وَقْتُ الِاضْطِرَارِ فَهُوَ الْوَقْتُ الْمُوجِبُ الَّذِي لَا يَتَّسِعُ تَأْخِيرُهُ، وَلَا يُلْتَفَتُ فِيهِ إلَى سَبَبٍ مَانِعٍ، وَيَنْبَغِي لِلْمُفْتَصِدِ أَنْ لَا يَمْتَلِئَ مِنْ الطَّعَامِ بَعْدَهُ بَلْ يَتَدَرَّجُ فِي الْغِذَاءِ، وَيُلَطِّفُهُ وَلَا يَغْتَاظُ بَعْدَهُ بَلْ يَمِيلُ إلَى الِاسْتِلْقَاءِ، وَيَحْذَرُ النَّوْمَ عَقِبَ الْفَصْدِ فَإِنَّهُ يُحْدِثُ انْكِسَارًا فِي الْأَعْضَاءِ، وَمَنْ اُفْتُصِدَ وَتَوَرَّمَتْ عَلَيْهِ الْيَدُ فَلْيُفَصَّدْ فِي الْيَدِ الْأُخْرَى بِمِقْدَارِ الِاحْتِمَالِ. .فَصْلٌ فِيمَا َيَنْبَغِي عَلَى الْفَاصِدِ: وَلْيَمْسَحْ رَأْسَ مِبْضَعِهِ بِالزَّيْتِ الطَّيِّبِ فَإِنَّهُ لَا يُوجَعُ عِنْدَ الْبَضْعِ غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَلْتَحِمُ سَرِيعًا، وَإِذَا أَخَذَ الْمِبْضَعَ فَلْيَأْخُذْهَا بِالْإِبْهَامِ وَالْوُسْطَى، وَيَتْرُكُ السَّبَّابَةَ لِلْجَسِّ وَلْيَنْشُلْ نَشْلًا وَلَا يَغْرِزْ غَرْزًا. وَاعْلَمْ أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يُوَسِّعَ الضَّرْبَةَ فِي الشِّتَاءِ لِئَلَّا يَجْمُدَ الدَّمُ وَيُضَيِّقَ الضَّرْبَةَ فِي الصَّيْفِ لِئَلَّا يُسْرِعَ إلَيْهِ الْغِشَاوَةَ، وَأَنْ يَحْفَظَ صِحَّةَ قُوَّةِ الْمَفْصُودِ، وَمَتَى تَغَيَّرَ لَوْنُ الدَّمِ أَوْ حَدَثَ غَشْيٌ أَوْ ضَعْفٌ فِي الْبَدَنِ فَلْيُبَادِرْ إلَى شَدِّهِ وَمَسْكِهِ. .فَصْلٌ فِي أَنْوَاعِ الْعُرُوقِ وامْتَحَانِ الْمُحْتَسِبِ لِلْفَصَّادِينَ: يَنْفَعُ مِنْ الرَّمَدِ وَالدَّمْعَةِ وَجَرَبِ الْأَجْفَانِ، وَمِنْهَا عِرْقَانِ يُسَمَّيَانِ الْوُصْوَافَ مِنْ خَلْفِ الْأُذُنَيْنِ يُفْصَدَانِ لِقَطْعِ النَّسْلِ فَيُحَلِّفُهُمْ الْمُحْتَسِبُ أَنْ لَا يَفْصِدُوا أَحَدًا فِيهِمَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَقْطَعُ النَّسْلَ وَفِعْلُ هَذَا حَرَامٌ، وَمِنْهَا عُرُوقُ الشَّفَتَيْنِ وَفَصْدُهَا يَنْفَعُ مِنْ قُرُوحِ الْفَمِ وَالْقِلَاعِ وَأَوْجَاعِ اللِّثَةِ وَأَوْرَامِهَا، وَمِنْهَا الْعُرُوقُ الَّتِي تَحْتَ اللِّسَانِ وَفَصْدُهَا يَنْفَعُ لِلْخَوَانِيقِ وَأَوْرَامِ الرَّأْسِ، وَأَمَّا عُرُوقُ الْيَدَيْنِ فَسِتَّةٌ الْقِيفَالُ وَالْأَكْحَلُ والباسليق وَحَبْلُ الذِّرَاعِ الْوَحْشِيِّ وَالْأُسَيْلِمُ وَالْإِبْطِيُّ وَهُوَ شُعْبَةٌ مِنْ الباسليق وَأَسْلَمُ هَذِهِ الْعُرُوقِ الْقِيفَالُ، وَيَنْبَغِي أَنْ يُنَحَّى فِي فَصْدِهِ رَأْسُ الْعَضَلَةِ إلَى مَوْضِعٍ لَيِّنٍ وَيُوَسَّعَ بِضْعُهُ إنْ أَرَادَ أَنْ يُثْنَى، وَأَمَّا الْأَكْحَلُ فَفِي فَصْدِهِ خَطَرٌ عَظِيمٌ لِأَجْلِ الْعَضَلَةِ الَّتِي تَحْتَهُ، وَرُبَّمَا وَقَعَتْ بَيْنَ عَصَبَيْنِ، وَرُبَّمَا كَانَ فَوْقَهَا عَصَبَةٌ دَقِيقَةٌ مُدَوَّرَةٌ كَالْوَتَرِ، فَيَجِبُ أَنْ يَعْرِفَ ذَلِكَ، وَيَجْتَنِبَ فِي حَالِ الْفَصْدِ وَيَحْتَاطَ أَنْ تُصِيبَهُ الضَّرْبَةُ فَيَحْدُثَ مِنْهَا حَدَثٌ مُزْمِنٌ، وَأَمَّا الباسليق فَعَظِيمُ الْخَطَرِ أَيْضًا لِوُقُوعِ الشِّرْيَانِ تَحْتَهُ فَيَجِبُ أَنْ يَحْتَاطَ لِذَلِكَ فَإِنَّ الشِّرْيَانَ إذَا بُضِعَ لَمْ يُرْقَأْ دَمُهُ، فَأَمَّا الْأُسَيْلِمُ فَالْأَصْوَبُ أَنْ يُفْصَدَ طَوِيلًا وَحَبْلُ الذِّرَاعِ يُفْصَدُ مُؤْرَبًا. فَصْلٌ: وَأَمَّا عُرُوقُ الرِّجْلَيْنِ فَأَرْبَعَةٌ مِنْهَا عِرْقُ النَّسَا وَيُفْصَدُ عِنْدَ الْجَانِبِ الْوَحْشِيِّ مِنْ الْكَعْبِ فَإِنْ خَفِيَ فَلْيُفْصَدْ فِي الشُّعْبَةِ الَّتِي بَيْنَ الْخِنْصِرِ وَالْبِنْصِرِ. وَمَنْفَعَةُ ذَلِكَ عَظِيمَةٌ سِيَّمَا فِي النِّقْرِسِ، وَمِنْهَا عِرْقُ الصَّافِنِ، وَهُوَ عَلَى الْجَانِبِ الْأَيْسَرِ، وَهُوَ أَظْهَرُ مِنْ عِرْقِ النَّسَا وَفَصْدُهُ يَنْفَعُ مِنْ الْبَوَاسِيرِ وَبَدْرِ الطَّمْثِ وَيَنْفَعُ الْأَعْضَاءَ الَّتِي تَحْتَ الْكَبِدِ، وَمِنْهَا عِرْقُ مَأْبِضِ الرُّكْبَةِ، وَهُوَ مِثْلُ الصَّافِنِ فِي النَّفْعِ، وَمِنْهَا الْعِرْقُ الَّذِي خَلْفَ الْعُرْقُوبِ، وَكَأَنَّهُ شُعْبَةٌ مِنْ الصَّافِنِ فَمَنْفَعَةُ فَصْدِهِ مِثْلُ الصَّافِنِ، وَاَلَّذِي يَجُوزُ فَصْدُهُ عَلَى الْأَكْثَرِ شِرْيَانُ الصُّدْغَيْنِ، وَالشِّرْيَانُ الَّذِي بَيْنَ الْإِبْهَامِ وَالسَّبَّابَةِ، وَقَدْ أَمَرَ جَالِينُوسُ بِفَصْدِهِ فِي الْمَنَامِ. .فَصْلٌ فِي الْحِجَامَةِ وَأَفْضَلِ أَوْقَاتِهَا: فَصْلٌ: وَأَفْضَلُ أَوْقَاتٍ الْحِجَامَةِ السَّاعَةُ الثَّانِيَةُ وَالثَّالِثَةُ مِنْ النَّهَارِ، وَأَمَّا مَنَافِعُ الْحِجَامَةِ فَإِنَّهَا كَثِيرَةٌ تَنْفَعُ مِنْ ثِقَلِ الْحَاجِبَيْنِ وَجَرَبِ الْعَيْنَيْنِ وَالْبَخَرِ فِي الْفَمِ غَيْرَ أَنَّهَا تُورِثُ النِّسْيَانَ كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إنَّ مُؤْخِرَ الدِّمَاغِ مَوْضِعُ الْحِفْظِ وَتُضْعِفُهُ الْحِجَامَةُ». .فَصْلٌ فِي أَحْكَامِ الْخِتَانِ: وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: الْخِتَانُ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ، وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ، وَبَعْضُ أَصْحَابِهِ يَقُولُ: إنَّهُ وَاجِبٌ، وَلَيْسَ بِفَرْضٍ، وَدَلِيلُنَا مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ لِرَجُلٍ أَسْلَمَ: «أَلْقِ عَنْكَ شِعَارَ الْكُفْرِ وَاخْتَتِنْ»، وَلِأَنَّهُ قَطْعُ شَيْءٍ مِنْ الْبَدَنِ فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ وَاجِبًا كَالْقَطْعِ فِي السَّرِقَةِ، فَإِذَا ثَبَتَ هَذَا فَصِفَةُ الْخِتَانِ فِي الرَّجُلِ: أَنْ يَقْطَعَ مِنْهُ الْغُلْفَةَ الَّتِي تُوَارِي الْحَشَفَةَ، وَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَمَوْضِعُ الْخِتَانِ مِنْهَا الْجِلْدَةُ الَّتِي فِي أَعْلَى الْفَرْجِ، وَهُوَ فَوْقَ الثَّقْبِ الَّذِي يَخْرُجُ مِنْهُ الْبَوْلُ، فَإِنَّ أَسْفَلَ الْفَرْجِ مَجْرَى الْحَيْضِ وَالْوَلَدِ، وَأَعْلَاهُ ثُقْبَةٌ كَثُقْبَةِ الْإِحْلِيلِ يَخْرُجُ مِنْهُ الْبَوْلُ، وَفَوْقَ ذَلِكَ قِطْعَةُ جِلْدَةٍ كَعُرْفِ الدِّيكِ، وَهُوَ مَوْضِعُ الْخِتَانِ فَيَقْطَعُ مِنْ أَعْلَى تِلْكَ الْجِلْدَةِ، وَفِي هَذَا وَرَدَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأُمِّ عَطِيَّةَ: الْخَاتِنَةُ: «أَشِمِّي وَلَا تُنْهِكِي فَإِنَّهُ أَسْنَى لِوَجْهِهَا وَأَحْظَى لَهَا عِنْدَ زَوْجِهَا» يَعْنِي خُذِي طَرَفَ الْجِلْدَةِ لَا تَسْتَأْصِلِيهَا، فَإِذَا ثَبَتَ هَذَا فَعَلَى الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ أَنْ يَفْعَلَا ذَلِكَ بِأَنْفُسِهِمَا وَأَوْلَادِهِمَا، فَإِنْ أَخَلَّا بِهِ أَجْبَرَهُمَا الْإِمَامُ عَلَى فِعْلِهِ؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ وَاجِبٌ، فَلَوْ خَتَنَ الْحَجَّامُ فَأَخْطَأَ، فَأَصَابَ الْحَشَفَةَ وَجَبَ عَلَيْهِ الضَّمَانُ؛ لِأَنَّهُ فَوَّتَ مَا لَمْ يُؤْذَنْ لَهُ فِي تَفْوِيتِهِ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ، وَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ الْإِمَامُ فَمَاتَ الْمَخْتُونُ نُظِرَ فَإِنْ كَانَ الْهَوَاءُ مُعْتَدِلًا فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مَاتَ مِنْ قَطْعٍ وَاجِبٍ، وَإِنْ كَانَ فِي شِدَّةِ حَرٍّ أَوْ بَرْدٍ فَعَلَيْهِ الضَّمَانُ. وَقَالَ فِي الْجَدِيدِ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي الْمَسْأَلَةِ عَلَى طَرِيقَيْنِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: لَا فَصْلَ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ، وَمِنْهُمْ مَنْ فَرَّقَ بِمَا ذَكَرْنَاهُ فَإِذَا قُلْنَا: لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فَلَا كَلَامَ، وَإِذَا قُلْنَا: يَضْمَنُ فَبِكَمْ يَضْمَنُ فِيهِ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا يَضْمَنُ بِكَمَالِ الدِّيَةِ؛ لِأَنَّهُ فَرَّطَ فِي ذَلِكَ. وَالثَّانِي: يَضْمَنُ النِّصْفَ؛ لِأَنَّهُ مَاتَ مِنْ فِعْلِ وَاجِبٍ وَمُخْطِرٍ وَأَيُّ مَوْضِعٍ قُلْنَا يَضْمَنُ فِيهِ قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا عَلَى عَاقِلَتِهِ وَالثَّانِي فِي بَيْتِ الْمَالِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. .الْبَابُ الخَامِسُ وَالْأَرْبَعُونَ فِي الْحِسْبَةِ عَلَى الْأَطِبَّاءِ وَالْكَحَّالِينَ والْجَرَّائِحِيّينَ وَالْمُجَبِّرِينَ: وَعَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ تَدَاوَوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يُنْزِلْ دَاءً إلَّا وَأَنْزَلَ لَهُ شِفَاءً». وَعَنْ جَابِرٍ قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَبِيبًا إلَى أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ فَكَوَاهُ. وَعَنْ جَابِرٍ قَالَ: رُمِيَ رَجُلٌ يَوْمَ الْأَحْزَابِ عَلَى الْخُلَّةِ فَكَوَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهِ. وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: احْتَفَّ بِرَجُلٍ مِنْ الْأَنْصَارِ يَوْمَ أُحُدٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَدَعَا لَهُ النَّبِيُّ طَبِيبَيْنِ كَانَا بِالْمَدِينَةِ فَقَالَ: «عَالِجَاهُ» فَقَالَا يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّا كُنَّا نُعَالِجُ وَنَحْتَالُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَلَمَّا جَاءَ الْإِسْلَامُ فَمَا هُوَ إلَّا التَّوَكُّلُ فَقَالَ: «عَالِجَاهُ؛ فَإِنَّ الَّذِي أَنْزَلَ الدَّاءَ أَنْزَلَ الدَّوَاءَ ثُمَّ جَعَلَ فِيهِ شِفَاءً» فَعَالَجَاهُ فَبَرِئَ، وَهُوَ مِنْ فُرُوضِ الْكِفَايَةِ، وَلَا قَائِمَ بِهِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، وَكَمْ مِنْ بَلَدٍ لَيْسَ فِيهِ طَبِيبٌ إلَّا مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ؟، وَلَا يَجُوزُ قَبُولُ شَهَادَتِهِمْ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالْأَطِبَّاءِ مِنْ أَحْكَامِ الطِّبِّ، وَلَا نَرَى أَحَدًا يَشْتَغِلُ بِهِ وَيَتَهَافَتُونَ عَلَى عِلْمِ الْفِقْهِ لَا سِيَّمَا الْخِلَافِيَّاتُ وَالْجَدَلِيَّاتُ، وَالْبَلَدُ مَشْحُونٌ مِنْ الْفُقَهَاءِ مِمَّنْ يَشْتَغِلُ بِالْفَتْوَى وَالْجَوَابِ عَنْ الْوَقَائِعِ فَلَيْتَ شِعْرِي كَيْف يُرَخِّصُ الدِّينُ فِي الِاشْتِغَالِ بِفَرْضِ كِفَايَةٍ قَدْ قَامَ بِهِ جَمَاعَةٌ وَإِهْمَالِ مَا لَا قَائِمَ بِهِ؟، هَلْ لِهَذَا سَبَبٌ إلَّا أَنَّ الطِّبَّ لَيْسَ يَتَيَسَّرُ التَّوَصُّلُ بِهِ إلَى تَوَلِّي الْقَضَاءِ وَالْحُكُومَةِ وَالتَّقَدُّمِ بِهِ عَلَى الْأَقْرَانِ وَالتَّسَلُّطِ عَلَى الْأَعْدَادِ؟، هَيْهَاتَ قَدْ انْدَرَسَ عِلْمُ الدِّينِ فَاَللَّهُ الْمُسْتَعَانُ وَإِلَيْهِ الْمَلَاذُ بِأَنْ يُعِيدنَا مِنْ هَذَا الْغُرُورِ الَّذِي يُسْخِطُ الرَّحْمَنَ وَيُضْحِكُ الشَّيْطَانَ. .فَصْلٌ فِي الْأَطِبَّاءِ وَمَا يَلْزَمُهُمْ مَعْرِفَتُهُ: وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ لَهُمْ مُقَدَّمٌ مِنْ أَهْلِ صِنَاعَتِهِمْ فَقَدْ حُكِيَ أَنَّ مُلُوكَ الْيُونَانِ كَانُوا يَجْعَلُونَ فِي كُلِّ مَدِينَةٍ حَكِيمًا مَشْهُورًا بِالْحِكْمَةِ ثُمَّ يَعْرِضُونَ عَلَيْهِ بَقِيَّةَ أَطِبَّاءِ الْبَلَدِ فَيَمْتَحِنُهُمْ فَمَنْ وَجَدَهُ مُقَصِّرًا فِي عِلْمِهِ أَمَرَهُ بِالِاشْتِغَالِ وَقِرَاءَةِ الْعِلْمِ وَنَهَاهُ عَنْ الْمُدَاوَاةِ. وَيَنْبَغِي إذَا دَخَلَ الطَّبِيبُ عَلَى الْمَرِيضِ سَأَلَهُ عَنْ سَبَبِ مَرَضِهِ، وَعَنْ مَا يَجِدُ مِنْ الْأَلَمِ ثُمَّ يُرَتِّبُ لَهُ قَانُونًا مِنْ الْأَشْرِبَةِ وَغَيْرَهُ مِنْ الْعَقَاقِيرِ ثُمَّ يَكْتُبُ نُسْخَةً لِأَوْلِيَاءِ الْمَرِيضِ بِشَهَادَةِ مَنْ حَضَرَ مَعَهُ عِنْدَ الْمَرِيضِ وَإِذَا كَانَ مِنْ الْغَدِ حَضَرَ وَنَظَرَ إلَى دَائِهِ وَنَظَرَ إلَى قَارُورَتِهِ وَسَأَلَ الْمَرِيضَ هَلْ تَنَاقَصَ بِهِ الْمَرَضُ أَمْ لَا؟ ثُمَّ يُرَتِّبُ لَهُ مَا يَنْبَغِي عَلَى حَسَبِ مُقْتَضَى الْحَالِ وَيَكْتُبُ لَهُ نُسْخَةً وَيُسَلِّمُهَا لِأَهْلِهِ، وَفِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ كَذَلِكَ، وَفِي الْيَوْمِ الرَّابِعِ كَذَلِكَ وَهَكَذَا إلَى أَنْ يَبْرَأَ الْمَرِيضُ أَوْ يَمُوتَ، فَإِنْ بَرِئَ مِنْ مَرَضِهِ أَخَذَ الطَّبِيبُ أَجَرْتَهُ وَكَرَامَتَهُ، وَإِنْ مَاتَ حَضَرَ أَوْلِيَاؤُهُ عِنْدَ الْحَكِيمِ الْمَشْهُورِ وَعَرَضُوا عَلَيْهِ النُّسَخَ الَّتِي كَتَبَهَا لَهُمْ الطَّبِيبُ، فَإِنْ رَآهَا عَلَى مُقْتَضَى الْحِكْمَةِ وَصِنَاعَةِ الطِّبِّ مِنْ غَيْرِ تَفْرِيطٍ، وَلَا تَقْصِيرٍ مِنْ الطَّبِيبِ قَالَ: هَذَا قُضِيَ بِفُرُوغِ أَجَلِهِ، وَإِنْ رَأَى الْأَمْرَ بِخِلَافِ ذَلِكَ قَالَ لَهُمْ: خُذُوا دِيَةَ صَاحِبِكُمْ مِنْ الطَّبِيبِ، فَإِنَّهُ هُوَ الَّذِي قَتَلَهُ بِسُوءِ صِنَاعَتِهِ وَتَفْرِيطِهِ فَكَانُوا يَحْتَاطُونَ عَلَى هَذِهِ الصُّورَةِ الشَّرِيفَةِ إلَى هَذَا الْحَدِّ حَتَّى لَا يَتَعَاطَى الطِّبَّ مَنْ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهِ، وَلَا يَتَهَاوَنُ الطَّبِيبُ فِي شَيْءٍ مِنْهُ وَيَنْبَغِي لِلْمُحْتَسِبِ أَنْ يَأْخُذَ عَلَيْهِمْ عَهْدَ أَبُقْرَاطَ الَّذِي أَخَذَهُ عَلَى سَائِرِ الْأَطِبَّاءِ وَيُحَلِّفَهُمْ أَنْ لَا يُعْطُوا أَحَدًا دَوَاءً مُضِرًّا، وَلَا يُرَكِّبُوا لَهُ سُمًّا، وَلَا يَصِفُوا سِمَامًا عِنْدَ أَحَدٍ مِنْ الْعَامَّةِ، وَلَا يَكْذِبُوا النِّسَاءَ الدَّوَاءَ الَّذِي يُسْقِطُ الْأَجِنَّةَ، وَلَا لِلرِّجَالِ الَّذِي يَقْطَعُ النَّسْلَ وَلْيَغُضُّوا أَبْصَارَهُمْ عَنْ الْمَحَارِمِ عِنْدَ دُخُولِهِمْ عَلَى الْمَرْضَى وَلَا يُفْشُوا الْأَسْرَارَ، وَلَا يَهْتِكُوا الْأَسْتَارَ، وَلَا يَتَعَرَّضُوا لِمَا يُنْكَرُ عَلَيْهِمْ فِيهِ.
|